الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مسرحية «تونس» لأحمد أمين بن سعد»: تونس 2019 بين الصراعات الدموية وحب الحياة

نشر في  08 أفريل 2015  (11:49)

احتضنت قاعة الفن الرابع بالعاصمة، الأحد 5 أفريل، عرض مسرحية «تونس» للمخرج الشاب أحمد أمين بن سعد، حاول من خلالها اختزال ما تعيشه البلاد، من تشظ وتشرذم بين أبنائها بسبب الخلافات الايديولوجية، العقائدية وما قد ينجرّ عنها من ويلات وصراعات دموية.

 وسط  حضور ركحي متناسق للممثلين جمال المداني، علي بن سعيد، ربيع براهيم، أديب حمدي، منيرة زكراوي، سهير بن عمارة وأمل عمراوي، يضع المخرج اطارا زمانيا للعرض،سنة 2019، ليبدو وكأنه تصور فيه ما قد يحدث في البلاد لو استمر الوضع على ماهو عليه.. حرب أهلية، قتلى بالجملة، أشلاء بشرية متناثرة على الأرصفة والطرقات، عائلات مشردة، وجماعات ارهابية تُحكم سيطرتها على جزء كبير من تراب الوطن.
وفي خضم الأجواء المشحونة بين افراد العائلة، ووسط تصوّر كل منهم لوطن أو إمارة منشودة، يتّهم الابن المتشدد والده بالفجور والزندقة فيرد عليه وبسخرية ولامبالاة ويستطرد ابنه الأصغر قائلا لأخيه «لولا المزود لمتنا جوعا..» وفي المقابل تحلم شقيقتهم بجزيرة «زمبرا»، يسودها العدل، فيها الحدائق وقاعات السينما والمقاهي والحانات.
يؤمّ الأخ صلاة الميت مع أفراد العائلة على روح أخيهم الشهيد «جبل» ويرتل سورة المُلك، ثمّ يشرع الأخ الامام في رقص الفزاني على وقع الآيات ومن خلفه أفراد عائلته، في مشهد يحاكي رقصة الموت.

أب «مزاودي» وأخ أصغر أخذ عنه الحرفة، أخت صغرى «عسلة» من راقصة مع فرقة أبيها الى مُحجّبة تتبع خطى أخيها الأمير في جماعة اسلامية، وأخرى طبيبة تنادي بأفكار تقدمية وبعدالة اجتماعية، وأم بكماء وشاردة الذهن.
يُوغل أحمد أمين بن سعد بشخوصه في ثنايا الإحباط فيقصد الأخ  رفقة «عسلة»  أحد الشيوخ ويستأذن منه أن يقوما بتفجير قاعة مسرح بأحزمة ناسفة، بدعوى أن المسرح عربدة والفكر زندقة والموسيقى من مزامير الشيطان، ولكن مع حلول موعد التفجير، ترى عسلة وجوها تألفها لأناس داخل القاعة ليتسلل اليها الشك والخوف فتتراجع عن تنفيذ العملية رغم ضغط شقيقها ولكنها قابلته بالرفض بقولها «إنني أعرفهم، إنهم أناس مثلنا، ما ذنبهم في كل هذا! لن أقتلهم!»
وفي مشهد سيريالي، يعود الشقيق الميت «جبل» إلى الحياة وإلى أفراد عائلته، ووسط دهشتهم راح يحدثهم عن ظروف الحياة تحت التراب وعن جرذ ثقيل الدم قد استأنس به، وفي حوار  مع شقيقه الأصغر أضحك جل الحاضرين، قال هذا الأخير إنه بكى كثيرا في جنازته وإنه انزل عديد الصور وهو يبكي فوق نعشه على فايسبوك وإنه استمتع كثيرا بالبكاء على موته.. ثمّ راح يتعارك مع شقيقه المتشدد.
يموت الوالد ولكن ابناءه تركوا جثته في البيت، لتنطق جثته وتتساءل عن سبب عدم دفنه.. فيبادله أبناؤه أطراف الحديث ويعلن بعضهم عن كرههم له وعن لومهم عليه بسبب اهمالهم، تخرج زوجته عن صمتها وتحاوره، ولكن ابنه الأصغر وعده بأنه سيتكفل بدفنه لأنه طالما أحبه.
تنزع «عسلة» لحافها الأسود وتصرخ قائلة «انهم يعتقدون في سكوتي ضعفا!  إن الموت أرحم من العيش في هذا البلد الذي يخلو من الايمان والحب! الشفاعة من وطن أشبه بمنفى».

جمع عرض «تونس» بين الأمل والإحباط وبين السلوكات المتضاربة والإيديولوجيات المتنافرة ليقول أنّ تونس لم تعد تحتمل مزيدا من التناحر ومن التشرذم.. وأنّها أرض طيبة إذا ما اردناها أن تكون كذلك.

نضال الصيد